بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
لقد كان إتجاه اليعاربة ناحية البحر ضرورة إستراتيجية فرضتها الثوابت التاريخية والحقائق الجغرافية وبحكم موقع عمان التي يحدها الخليج العربي شمالاً وبحر العرب جنوباًَ وخليج عمان شرقاً وصحراء الربع الخالي غرباً لذا كانت الصحراء دائماً في ظهر عمان تدق بإستمرار على بابها الخلفي من أجل ذلك كانت قصة عمان مع الصحراء بمثابة فصل عادي في التاريخ العماني بينما كان البحر دائماً هو الركيزة الأساسية وبإتحاد البحر واليابسة معا شكلت كل فصول التاريخ العماني .
وقد إستطاع آئمة اليعاربة سواء في فترة قودة الدولة أو حتى في فترات ضفعها أن يضعوا أيديهم على العنصر الفاعل في التاريخ العماني وهو إرتباط البحر باليابس بشكل متناغم إدراكاً منهم لخطورة الموقع وأهميته واللافت للنظر أن اليعاربة قد أدركوا أهمية الخطر الذي يواجههم والذي يعد في كثير من الحالات ظاهرة صحية حيث شحذ الوعي القومي وعمق الإحساس بالوعي الديني والوطني وفي جميع الحالات أبعد إحتمالات الإنغلاق على الذات واللامبالاة بالعالم الخارجي .
لقد أدرك اليعاربة أن عدواً بعينه متربص بعمان يدفعها بقسوة ناحية الصحراء لأنه يرى فيها موطن الخطر ومكمن القوة ومفتاح المنطقة , وخلال هذا الصراع تشكلت الثوابت الإستراتيجية التي حددت ملامح دولة اليعاربة التي أجادت لعبة التوازنات بين كافة القوى الأوروبية المتنافسة على الخليج .
وكنتيجة طبيعية لكل هذه التحديات فقد إقتحم اليعاربة حياة البحر ونجحوا إلى حد هائل في إعداد قوة بحرية إستطاعت تعقب البرتغاليين في الخليج العربي والمحيط الهندي ولم يكتف اليعاربة بخبرتهم المحلية بل طوروا سفنهم مستفيدين من التقدم الكبير الذي طرأ على صناعة السفن الأوروبية .
ويبدو أن الإسطول العماني لم يتملك ناصية الموقف تماماً إلا عقب تحرير مسقط عام 1649م حيث راح الإسطول العماني يتعقب الإسطول البرتغالي على السواحل الهندية والإفريقية وشهدت الفترة من عام 1650 وحتى 1652 نشاطاً بحرياً عمانياً أقلق الإنجليز والهولنديين حيث تمكن الإمام سلطان بن سيف من الإعتماد بالكامل على السفن الحديثة بني بعضها في الهند والبعض الآخر تم شراؤها من الهولنديين , وإستخدم المدافع المتطورة بنفس كفاءة المدافع الأوروبية وكانت بومباي في مقدمة المناطق التي شهدت هجوماً عمانياً مكثفاً وفرض العمانيون رسوماً جمركية على مناطق عديدة مثل جوا وبرسالور ومتفالو وباتيكالا مما وفر لهم قدراً معقولاً من الأموال التي إستخدمت في تطوير السفن وإقتناء أفضل الأسلحة المتطورة .
لقد كان تطور البحرية العمانية بشكل لافت خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر مؤشراً عملياً للتطور الإقتصادي الذي حققه العمانيون خلال هذه الفترة والذي شغلت التجارة فيه حيزاً هاماً خصوصا وأن نهاية الوجود البرتغالي في عمان يعد نهاية عملية لسياسة الإحتكار التي ألمت بالخليج العربي والمحيط الهندي منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي .
أن تطور السفن العمانية بهذا الشكل الكبير لا يمكن أن يكون بسبب الإعتماد على السفن المشتراة من الإنجليز أو الهولنديون فقط وإنما إتخذ العمانيون من المراكز الصناعية في سورات ونهر السند وغيرهما من المناطق التي لم يعرف الإنجليز أو الهولنديون عنها شيئاً مراكز لصناعة سفنهم بعيداً عن أعين الأوروبيين وهو ما تشير إليه بعض المصادر الأجنبية .
ويبدو أن الوصول بالإسطول العماني إلى الحد الذي تهابة أساطيل الدول الأوروبية لم يكن أمراً سهلاً فقد إستغرق ذلك جهداً ووقتاً وكانت عمليات التمويل في مقدمة الصعوبات إضافة إلى القلاقل والمشكلات الداخلية التي كانت تطل برأسها ما بين وقت وآخر .
ووفقاً لتقرير كبته ويلمسون كمندوب عن الشركة الهولندية حينما إسندت إليه مهمة زيارة عمان عام 1774م حيث يبدي إندهاشه بسبب إفتقاد العمانيين إلى بحارة منقطعين للعمل على السفن العسكرية بل يتوافدون على السفن حينما يتطلب الموقف القيام بمهام عسكرية .
والحقيقة أن هذه الملاحظة لها دلالتها على إعتبار أن النشاط الإقتصادي والعسكري كانا متلازمين ولم تعرف السفن العمانية الإحتراف بمعناه الدقيق ففي وقت السلم ينصرف البحارة لممارسة نشاطهم الاقتصادي والتجاري وإذا ما تأزمت الأوضاع إنصرف البحارة إلى مهامهم العسكرية بعكس ما كان يحدث على السفن الأوروبية التي كان لها بحارة منقطعون للعمل في هذه المهام فقط .
لعل ذلك كان يضاعف من صعوبة المهمة التي يقوم بها اليعاربة الذين كانوا يبنون بيد ويحملون السلاح باليد الأخرى وهي ظاهرة لم تعرفها أوروبا .
يمكن فهم طبيعة الموقف على ضوء الدوافع التي كان يقاتل من أجلها العمانيون حيث كان الجهاد من اجل الدين والوطن طريقاً إلى النصر أو الإستشهاد وهي دوافع كان يفتقدها البرتغاليون .
وبوفاة سلطان بن سيف عام 1679م خلفه إبنه بلعرب بن سلطان الذي نقل مقر إقامته من نزوى إلى جبرين ومازال حصنة قائماً هناك بخطوطه ورسومات جدرانه فريداً في بنائه وشاهداً على ذوقه الرفيع , وتذكر بعض الروايات أن شقيقه سيف قد خرج عليه سنة 1689م وأرجعت هذه الروايات الخلاف بين الشقيقين إلى عزوف بلعرب عن الحرب وإبرامه إتفاقاً مع البرتغاليين أعتقد سيف بإنه يحمل شروطاً مجحفة بحقوق العمانيين لذا فقد قاد سيف بن سلطان جبهة المعارضة رافضاً الإعتراف بحقوق البرتغاليين وأحتل حصون مسقط وجبرين وتمكن من السيطرة على زمام الموقف وحسم الموقف لصالحه حينما توفي شقيقة بلعرب .
لقد تعددت شهادات المعاصرين والمؤرخين في وصف البحرية العمانية في عهد سيف بن سلطان فقد كتب بروس قائلاً : كان الإسطول العماني هائلاً لدرجة أثارت الرعب في نفوس الأوروبيين وكل الدلائل تؤكد إنهم كانوا يسيطرون على الخليج كله .
ويذكر دكتور فراير الذي زار الخليج في عهد سيف بن سلطان أن العمانيين قد إكتسبوا مكانات بحرية هائلة وأن نشاطهم يهدد بندر عباس لدرجة أن الفرس طلبوا من الإنجليز حمايتهم من العمانيين .. وقد أضاف لوكير الذي زار مسقط في عهد سيف بن سلطان وشاهد واحدة من السفن العمانية وهي مجهزة بسبعين مدفعاً وأضاف أن الإسطول العماني تمكن من أسر واحدة من أغنى سفن كلكتا وكانت تحت قيادة الكابتن ميرفيل وعلى الرغم من أعمال الإسطول العمانيي ضد السفن الإنجليزية إلا أن الشركات الإنجليزية التي تملك هذه السفن لم تقم بعمل مضاد ضد عرب عمان .
لقد إدعا البرتغاليون إنتصارات اليعاربة عليهم إلى إنها بسبب إمدادات واسحلة تلقوها من الإنجليز وأن السفن العمانية كان يقود معظمها ضباط إنجليز وكانت ترفع العلم الإنجليزي .
والحقيقة أن هذا الإدعاء حاولت أن تروج له الإدارة البرتغالية لكن لم يثبت صحته سواء من جانب الإنجليز أو الهولنديين ولم تشر إليه كتابات الرحالة الأجانب إضافة إلى أن الإسطول الانجليزي نفسه كان مستهدفاً من قبل البحرية العمانية وحدثت مصادمات كثيرة سواء في عصر سلطان بن سيف أو سيف بن سلطان .
والحقيقة أن المؤرخين والرحالة الأوروبيين قد أبدوا أهتماماً ملحوظا بالتفوق الذي وصلت إليه البحرية العمانية ويذكر البعض أن أئمة اليعاربة قد إستطاعوا بفضل صداقتهم لأمراء الهند أن يضمنوا جلب الأخشاب اللازمة لبناء السفن , وهناك عدة إتفاقيات عقدها اليعاربة مع حاكم مقاطعة بجو في الهند ولعل ذلك ما دفع جون مالكولم إلى الإعتقاد بأن أحسن الوسائل للقضاء على البحرية العمانية هو قطع الصلة بين عمان وأمراء الهند .
ويمكن التعرف على المدى الذي وصلت إليه البحرية العمانية في عهد اليعاربة من خلال كتابات هاميلتون الذي ذكر أن البحرية العمانية كانت تتكون من مئات السفن الكبيرة ذات الحمولات المختلفة من المدافع الكبيرة والصغيرة .
ويضيف الرحالة فريرز إنه من الضروري عدم إستفزاز العمانيين إذ إننا لن نجني من وراء ذلك سوى ضربات تنهال علينا , ويعترف المؤرخ الإنجليزي كوبلاند بأن البحرية العمانية في بداية القرن الثامن عشر قد أصبحت تفوق أية قوة بحرية أخرى لدرجة إن الأساطيل الإنجليزية والهولندية كانت تخشى مواجهة العمانيين , ويضيف مايلز أن اليعاربة قد صارت لهم السيادة الفعلية على المحيط الهندي وأصبحت سفنهم تنشر الرعب في قلوب الأوروبيين لمدة قرن ونصف .
وحينما شعر العمانيون بأن فارس تنسق مع البرتغال بهدف إعادة إحتلال مسقط راح العمانيون يشنون هجوماً على نطاق واسع ضد بندر كنج وبندر عباس ودمروا المدينتين وأستولوا على السفن الفارسية والبرتغالية وفي عام 1717م عاود العمانيون هجومهم بهدف تحرير البحرين من الإحتلال الفارسي ونجحوا في ضرب حصار بحري على السفن الفارسية وأخضعت قواتهم حصون جزيرة قشم ولارك وسيطروا على موانئ جنوب فارس ومنعوا السفن الفارسية من الملاحة في الخليج مما أحدث قلقاً شديداً لدى الدوائر الأوروبية وخصوصا بعد أن إتخذ العمانيون من هرمز قاعدة لنشاطاتهم البحرية , وتشير التقارير الهولندية إلى أن عدد الحامية العمانية في هرمز تقدر بألف رجل يتناوبون على حراسة المضيق .
لقد إستنفذت فارس كل الوسائل الداعية لإقامة تحالف مع أي من الدول الأوروبية بهدف القضاء على البحرية العمانية والإجهاز عليها , إلا أن كل محاولاتهم قد باءت بالفشل وتؤكد كتابات المعاصرين لهذه الأحداث على سوء تقدير الفرس وتناقض مواقفهم بعكس العمانيين الذين أتسموا بصدق وإحترام شديدين وخصوصاً في معاملتهم لأهل الأديان الأخرى وحرية إقامة شعائرهم الدينية , ويذكر هاميلتون : لقد كان عرب عمان يشنون غارات ضد البرتغاليين على الساحل الهندي ويدمرون المدن والقرى ولكنهم لم يهاجموا الكنائس ولم يقتلوا أعزلاً أو طفلاً وكانوا يعاملون أسراهم معاملة كريمة بخلاف البرتغاليين الذين كانوا يعاملون أسراهم معاملة وحشية ويضيف هاميلتون : لقد كان العمانيون يمنحون أسراهم بدل أرزاق مثلما يعطون لجنودهم تماماً .
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
لقد كان إتجاه اليعاربة ناحية البحر ضرورة إستراتيجية فرضتها الثوابت التاريخية والحقائق الجغرافية وبحكم موقع عمان التي يحدها الخليج العربي شمالاً وبحر العرب جنوباًَ وخليج عمان شرقاً وصحراء الربع الخالي غرباً لذا كانت الصحراء دائماً في ظهر عمان تدق بإستمرار على بابها الخلفي من أجل ذلك كانت قصة عمان مع الصحراء بمثابة فصل عادي في التاريخ العماني بينما كان البحر دائماً هو الركيزة الأساسية وبإتحاد البحر واليابسة معا شكلت كل فصول التاريخ العماني .
وقد إستطاع آئمة اليعاربة سواء في فترة قودة الدولة أو حتى في فترات ضفعها أن يضعوا أيديهم على العنصر الفاعل في التاريخ العماني وهو إرتباط البحر باليابس بشكل متناغم إدراكاً منهم لخطورة الموقع وأهميته واللافت للنظر أن اليعاربة قد أدركوا أهمية الخطر الذي يواجههم والذي يعد في كثير من الحالات ظاهرة صحية حيث شحذ الوعي القومي وعمق الإحساس بالوعي الديني والوطني وفي جميع الحالات أبعد إحتمالات الإنغلاق على الذات واللامبالاة بالعالم الخارجي .
لقد أدرك اليعاربة أن عدواً بعينه متربص بعمان يدفعها بقسوة ناحية الصحراء لأنه يرى فيها موطن الخطر ومكمن القوة ومفتاح المنطقة , وخلال هذا الصراع تشكلت الثوابت الإستراتيجية التي حددت ملامح دولة اليعاربة التي أجادت لعبة التوازنات بين كافة القوى الأوروبية المتنافسة على الخليج .
وكنتيجة طبيعية لكل هذه التحديات فقد إقتحم اليعاربة حياة البحر ونجحوا إلى حد هائل في إعداد قوة بحرية إستطاعت تعقب البرتغاليين في الخليج العربي والمحيط الهندي ولم يكتف اليعاربة بخبرتهم المحلية بل طوروا سفنهم مستفيدين من التقدم الكبير الذي طرأ على صناعة السفن الأوروبية .
ويبدو أن الإسطول العماني لم يتملك ناصية الموقف تماماً إلا عقب تحرير مسقط عام 1649م حيث راح الإسطول العماني يتعقب الإسطول البرتغالي على السواحل الهندية والإفريقية وشهدت الفترة من عام 1650 وحتى 1652 نشاطاً بحرياً عمانياً أقلق الإنجليز والهولنديين حيث تمكن الإمام سلطان بن سيف من الإعتماد بالكامل على السفن الحديثة بني بعضها في الهند والبعض الآخر تم شراؤها من الهولنديين , وإستخدم المدافع المتطورة بنفس كفاءة المدافع الأوروبية وكانت بومباي في مقدمة المناطق التي شهدت هجوماً عمانياً مكثفاً وفرض العمانيون رسوماً جمركية على مناطق عديدة مثل جوا وبرسالور ومتفالو وباتيكالا مما وفر لهم قدراً معقولاً من الأموال التي إستخدمت في تطوير السفن وإقتناء أفضل الأسلحة المتطورة .
لقد كان تطور البحرية العمانية بشكل لافت خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر مؤشراً عملياً للتطور الإقتصادي الذي حققه العمانيون خلال هذه الفترة والذي شغلت التجارة فيه حيزاً هاماً خصوصا وأن نهاية الوجود البرتغالي في عمان يعد نهاية عملية لسياسة الإحتكار التي ألمت بالخليج العربي والمحيط الهندي منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي .
أن تطور السفن العمانية بهذا الشكل الكبير لا يمكن أن يكون بسبب الإعتماد على السفن المشتراة من الإنجليز أو الهولنديون فقط وإنما إتخذ العمانيون من المراكز الصناعية في سورات ونهر السند وغيرهما من المناطق التي لم يعرف الإنجليز أو الهولنديون عنها شيئاً مراكز لصناعة سفنهم بعيداً عن أعين الأوروبيين وهو ما تشير إليه بعض المصادر الأجنبية .
ويبدو أن الوصول بالإسطول العماني إلى الحد الذي تهابة أساطيل الدول الأوروبية لم يكن أمراً سهلاً فقد إستغرق ذلك جهداً ووقتاً وكانت عمليات التمويل في مقدمة الصعوبات إضافة إلى القلاقل والمشكلات الداخلية التي كانت تطل برأسها ما بين وقت وآخر .
ووفقاً لتقرير كبته ويلمسون كمندوب عن الشركة الهولندية حينما إسندت إليه مهمة زيارة عمان عام 1774م حيث يبدي إندهاشه بسبب إفتقاد العمانيين إلى بحارة منقطعين للعمل على السفن العسكرية بل يتوافدون على السفن حينما يتطلب الموقف القيام بمهام عسكرية .
والحقيقة أن هذه الملاحظة لها دلالتها على إعتبار أن النشاط الإقتصادي والعسكري كانا متلازمين ولم تعرف السفن العمانية الإحتراف بمعناه الدقيق ففي وقت السلم ينصرف البحارة لممارسة نشاطهم الاقتصادي والتجاري وإذا ما تأزمت الأوضاع إنصرف البحارة إلى مهامهم العسكرية بعكس ما كان يحدث على السفن الأوروبية التي كان لها بحارة منقطعون للعمل في هذه المهام فقط .
لعل ذلك كان يضاعف من صعوبة المهمة التي يقوم بها اليعاربة الذين كانوا يبنون بيد ويحملون السلاح باليد الأخرى وهي ظاهرة لم تعرفها أوروبا .
يمكن فهم طبيعة الموقف على ضوء الدوافع التي كان يقاتل من أجلها العمانيون حيث كان الجهاد من اجل الدين والوطن طريقاً إلى النصر أو الإستشهاد وهي دوافع كان يفتقدها البرتغاليون .
وبوفاة سلطان بن سيف عام 1679م خلفه إبنه بلعرب بن سلطان الذي نقل مقر إقامته من نزوى إلى جبرين ومازال حصنة قائماً هناك بخطوطه ورسومات جدرانه فريداً في بنائه وشاهداً على ذوقه الرفيع , وتذكر بعض الروايات أن شقيقه سيف قد خرج عليه سنة 1689م وأرجعت هذه الروايات الخلاف بين الشقيقين إلى عزوف بلعرب عن الحرب وإبرامه إتفاقاً مع البرتغاليين أعتقد سيف بإنه يحمل شروطاً مجحفة بحقوق العمانيين لذا فقد قاد سيف بن سلطان جبهة المعارضة رافضاً الإعتراف بحقوق البرتغاليين وأحتل حصون مسقط وجبرين وتمكن من السيطرة على زمام الموقف وحسم الموقف لصالحه حينما توفي شقيقة بلعرب .
لقد تعددت شهادات المعاصرين والمؤرخين في وصف البحرية العمانية في عهد سيف بن سلطان فقد كتب بروس قائلاً : كان الإسطول العماني هائلاً لدرجة أثارت الرعب في نفوس الأوروبيين وكل الدلائل تؤكد إنهم كانوا يسيطرون على الخليج كله .
ويذكر دكتور فراير الذي زار الخليج في عهد سيف بن سلطان أن العمانيين قد إكتسبوا مكانات بحرية هائلة وأن نشاطهم يهدد بندر عباس لدرجة أن الفرس طلبوا من الإنجليز حمايتهم من العمانيين .. وقد أضاف لوكير الذي زار مسقط في عهد سيف بن سلطان وشاهد واحدة من السفن العمانية وهي مجهزة بسبعين مدفعاً وأضاف أن الإسطول العماني تمكن من أسر واحدة من أغنى سفن كلكتا وكانت تحت قيادة الكابتن ميرفيل وعلى الرغم من أعمال الإسطول العمانيي ضد السفن الإنجليزية إلا أن الشركات الإنجليزية التي تملك هذه السفن لم تقم بعمل مضاد ضد عرب عمان .
لقد إدعا البرتغاليون إنتصارات اليعاربة عليهم إلى إنها بسبب إمدادات واسحلة تلقوها من الإنجليز وأن السفن العمانية كان يقود معظمها ضباط إنجليز وكانت ترفع العلم الإنجليزي .
والحقيقة أن هذا الإدعاء حاولت أن تروج له الإدارة البرتغالية لكن لم يثبت صحته سواء من جانب الإنجليز أو الهولنديين ولم تشر إليه كتابات الرحالة الأجانب إضافة إلى أن الإسطول الانجليزي نفسه كان مستهدفاً من قبل البحرية العمانية وحدثت مصادمات كثيرة سواء في عصر سلطان بن سيف أو سيف بن سلطان .
والحقيقة أن المؤرخين والرحالة الأوروبيين قد أبدوا أهتماماً ملحوظا بالتفوق الذي وصلت إليه البحرية العمانية ويذكر البعض أن أئمة اليعاربة قد إستطاعوا بفضل صداقتهم لأمراء الهند أن يضمنوا جلب الأخشاب اللازمة لبناء السفن , وهناك عدة إتفاقيات عقدها اليعاربة مع حاكم مقاطعة بجو في الهند ولعل ذلك ما دفع جون مالكولم إلى الإعتقاد بأن أحسن الوسائل للقضاء على البحرية العمانية هو قطع الصلة بين عمان وأمراء الهند .
ويمكن التعرف على المدى الذي وصلت إليه البحرية العمانية في عهد اليعاربة من خلال كتابات هاميلتون الذي ذكر أن البحرية العمانية كانت تتكون من مئات السفن الكبيرة ذات الحمولات المختلفة من المدافع الكبيرة والصغيرة .
ويضيف الرحالة فريرز إنه من الضروري عدم إستفزاز العمانيين إذ إننا لن نجني من وراء ذلك سوى ضربات تنهال علينا , ويعترف المؤرخ الإنجليزي كوبلاند بأن البحرية العمانية في بداية القرن الثامن عشر قد أصبحت تفوق أية قوة بحرية أخرى لدرجة إن الأساطيل الإنجليزية والهولندية كانت تخشى مواجهة العمانيين , ويضيف مايلز أن اليعاربة قد صارت لهم السيادة الفعلية على المحيط الهندي وأصبحت سفنهم تنشر الرعب في قلوب الأوروبيين لمدة قرن ونصف .
وحينما شعر العمانيون بأن فارس تنسق مع البرتغال بهدف إعادة إحتلال مسقط راح العمانيون يشنون هجوماً على نطاق واسع ضد بندر كنج وبندر عباس ودمروا المدينتين وأستولوا على السفن الفارسية والبرتغالية وفي عام 1717م عاود العمانيون هجومهم بهدف تحرير البحرين من الإحتلال الفارسي ونجحوا في ضرب حصار بحري على السفن الفارسية وأخضعت قواتهم حصون جزيرة قشم ولارك وسيطروا على موانئ جنوب فارس ومنعوا السفن الفارسية من الملاحة في الخليج مما أحدث قلقاً شديداً لدى الدوائر الأوروبية وخصوصا بعد أن إتخذ العمانيون من هرمز قاعدة لنشاطاتهم البحرية , وتشير التقارير الهولندية إلى أن عدد الحامية العمانية في هرمز تقدر بألف رجل يتناوبون على حراسة المضيق .
لقد إستنفذت فارس كل الوسائل الداعية لإقامة تحالف مع أي من الدول الأوروبية بهدف القضاء على البحرية العمانية والإجهاز عليها , إلا أن كل محاولاتهم قد باءت بالفشل وتؤكد كتابات المعاصرين لهذه الأحداث على سوء تقدير الفرس وتناقض مواقفهم بعكس العمانيين الذين أتسموا بصدق وإحترام شديدين وخصوصاً في معاملتهم لأهل الأديان الأخرى وحرية إقامة شعائرهم الدينية , ويذكر هاميلتون : لقد كان عرب عمان يشنون غارات ضد البرتغاليين على الساحل الهندي ويدمرون المدن والقرى ولكنهم لم يهاجموا الكنائس ولم يقتلوا أعزلاً أو طفلاً وكانوا يعاملون أسراهم معاملة كريمة بخلاف البرتغاليين الذين كانوا يعاملون أسراهم معاملة وحشية ويضيف هاميلتون : لقد كان العمانيون يمنحون أسراهم بدل أرزاق مثلما يعطون لجنودهم تماماً .