توفي زوجها منذ عشر سنوات
والشباب النضير لازال يلوح على طلعتها وبشرتها وأين يفر المرء من قسوة
الأقدار فتلك هي سنه الحياة ومنهج الدنيا منذ الأزل فرضخت مرغمة لأمر
القضاء ونذرت بقية عمرها في تربية وتعليم ولديها احمد ذي الخمسة عشر ربيعا
وناصر الذي عانق العقدين في ذلك المنزل الأنيق المبني على الطراز العماني
الذي تعتز وتفتخر به خديجة بل تعتبره صرحا منيفا لما فيه من ذكريات خالدة
ولعل تلك الذكريات هي الدافع لوقوفها ساعات طويلة في هداة الليل القاتم
وصمته المفزع حيث تنمو الأفكار الضارية في الظلام الموحش وتطوف في ذهنها
الأطلال البالية حين كان زوجها يعمر أركان المنزل بالبهجة والحبور كأنه
ملاك أرسلته السماء ليزرع ألوان الحب والسعادة في جوارحها كما يزرع
البستاني الأزهار ويكتنفها بعنايته كي لا تذبل لكنها وجدت في ولديها أعظم
عزاء لها بل الدواء لدائها العضال وعقدت عليها الآمال الكبار ...
وذات مساء وقفت الأم كعادتها
بجانب شباك المجلس وأطلقت العنان لنظرتها نحو الفضاء الرحب كأنها تصغي
بجميع روحها إلى صرير الليل حيث يلذ تلك الظلمة الحالكة إلى أن تخلق في
نفوس المعذبة الأشباح المهيبة وبغت أيقضها ناصر من تأملاتها و ذكرياتها
عندما جاء من غرفته يبحث عن مجموعه من الأوراق الخاصة به فأشارت إليه أنها
لاحظت بعضا منها في غرفة المرحوم والدة فانطلق من فوره إلى تلك الغرفة واخذ
يذرعها ذهابا وإيابا وبينما هو كذلك وقعت قدماه على موضع احدث صوتا كأنه
انبثق من قاع الأرض فوقف برهتا ثم اخذ يطرق ذلك الموضع بكعبه وعندما تأكد
من مصدر الصوت رفع طرف السجادة المفروشة على أرضية الغرفة في لهفه وإذا
بقطعه من القماش السميك بلون السجادة لصقت بعناية تحت السجادة فنتزعها
واخرج من ثناياها ورقه سميكة عبارة عن صك شرعي فاخذ يلتهم نصها في شوق لا
سبيل لوصفه وما إن انتهى من قراءتها حتى سرت قشعريرة باردة في كيانه واخذ
يهذي كالمحموم كأنه يخاطب الأشياء الخرساء في تلك الغرفة بعبارات مبهمة ثم
سكت على نحو مفاجئ ودلف خارج الغرفة وعندما وصل إلى المجلس _ مجلس الدار_
حيث تقف الأم كان لون وجهه الذي يشبه النبيذ الدموي القاتم من شدة الانفعال
يفضحه لكنه أشار إلى الأم من على بعد لقد وجدت الأوراق ثم دخل غرفته وألقى
بجسده على السرير واخذ يسال نفسه ....
شمساء أرملة أبي الثانية أهذا
معقول ؟
ويرد على نفسه : ولم لا أليس هذا
العقد الذي بين يدي يثبت ذلك ؟ولكن هل أمي على علم بهذا الزواج ؟
لا..لا..لا اعتقد ذلك ...
ثم يصمت برهتا ويعود للهذيان من
جديد ...
ولكن أين هي ..؟
هنا برق في ذهنه خاطر فيه شي من
العزاء لحيرته...
ففض الصك الذي بين يديه واخذ
ينظر إلى عنوانه وإذا بها صادره من محكمة السيب الشرعية فازدهر بريق الأمل
الذي يمكن أن يخرجه من حيرته لان ذلك يمكنه بسهوله من معرفه تلك المرأه
التي كانت في حيات أبيه بواسطة أصدقاءه ..
كانت الساعة في تلك اللحظة قد
عانقه الليل وحاول أن يغط لكنه لم يستطع النوم بسبب الشغف الذي ملأ كيانه
لمعرفة ذلك السر الغامض ....
وعندما اندلع الفجر الذي يصاحبه
عادتا نداء المنادي ..خرج كعادته فادى صلاة الصبح ثم اخذ يرتل ما تيسر له
من المصحف الشريف بعدها سار نحو مائدة الإفطار وأخذت الأسرة المكونة من
ثلاثة أفراد تتناول مما رزقها الله وقد استطاعت الأم أن تقرءا شيئا من عدم
الراحة على وجه ولدها ناصر فبادرته بالقول : لست كعهدك في الأيام الخوالي
يا ناصر ...؟
فرد بلهجة من استيقظ من السبات :
انه مجرد إرهاق بسبب السهر..
وكانت الساعة في ذلك الوقت تشير
إلى السابعة والنصف وبخلسه عن أمه رفع سماعة الهاتف واتصل بمقر عملة يعتذر
لانشغاله بمشاكل عائلية ..
ثم بارح منزله وانطلق بسيارته
كالسهم المارق إلى مدينه السيب وما أن انحنى نحوها من الشارع العام حتى
أخذت النسائم تحمل عطر حقولها المزدهر إلى أنفاسه ..
فلاح له بين ثنايا تلك الأشجار
السامقة منزل صديقه فهد فاتجه نحوه وحين طرق الباب خرجت أمه وكالعجول سألها
عن فهد فأجابت : انه خرج منذ ساعة ..
برزت ثمة فكره في رأسه ..
فسألها عن شمساء سالم : وعلى
الفور أجابت أم فهد : ...نعم اعرفها فأشارت بالبنان نحو منزلها الذي يبعد
نحو 200 متر من ذلك الموضع ..
وما أن تساقطت تلك الكلمات من
لسان المرأة حتى أصيب بنوبة ذعر طارئة عقدت لسانه لكنه اصطنع المهابة
والرصانة ثم استأذنها وأطلق ساقيه للريح حتى وصل أمام ذلك المنزل المتواضع
الذي كان باب فنائه مشروع فاخذ يطرق فانطلق صوت هادئ كلحن الطير من عمقه
تدعوه بالدخول فدخل والجزع يطبع على خطواته حتى بلغ سقيفة الدار وإذا
بإمرأه تفترش سجادة على حصير من القصب تمد يدها في غاية الاحترام والأدب
نحوه قبل أن يبلغلها فسارع ناصر يقبل يديها كما لو كانت أمه ..
فتعذرت المرأة عن عدم قدرتها على
الوقوف فأدركت بأنها كسيحة وحين جثا ناصر بجانبها مدت المرأة يدها إلى
(دله القهوة) وسلة الرطب فقدمته إلى ضيفها دون أن تسأله أيما سؤال...
اخذ ناصر ينظر إليها بتلك
النظرات المفعمة بالخشوع والإعجاب ويتصفح وجهها آيات الطهر والفضيلة
والوقار.. وحاول أن يحطم جدار الحياء والخوف ليقول شيئا إلا أن قريحته لم
تسعفه على ذلك ..وبمجرد انتهائه من تناول القهوة حتى أخذت المرأة تتبادل
معه أطراف الحديث مما ساعده ذلك على استعادة رباطة جأشه فسألها عن شمساء
..وما أن عرف أن تلك المرأة الكسيحة هي شمساء حتى شعر برعده باردة أثلجت
إلى أعماق الفؤاد واكتنف الموقف صمتا عميق كان طيفا حبيب شغلهما عن الحديث
وفجاه هتف ناصر وقال .. ما قصت زواجك من إسماعيل _ يقصد والده _ وأفلتت من
فيها آه وكأنها تريد أن تطفي بها شعلة نار أوقدها السؤال في أعماقها ثم
أجابت في نبره المفجوع ...
إن الفقر كالجبال السود لا تغري
إلا قليلا من الناظرين ولكن من يجوب ثنايا تلك الرواسي يفاجئ بجداول ترقص
على لحن الطبيعة بين الصخور وإزهار تنبثق من قلوبها الصماء وهكذا ..
إسماعيل كان واحد من أولائك النادرين ارتبط بوشائج الحب والإخاء مع زوجي
السابق ورغم التناقض الصارخ بين حياته المعيشية المترفة وحياة زوجي السابق
الذي كان يحدق به الفقر ولما توفاه الله كاد الفقر يمزق أحشائي من الجوع
والآلام لكن إسماعيل في صدره قلب شريف ينبض بالوفاء فتعانيني وكي لا يكون
تردده على منزلي طعاما دسما لمئات الالسنه الخبيثة تزوجني إلا أن الزواج
لايعلم به إلا نفر من الجيران ..
أن إسماعيل لم يتزوجني طمعا في
جمالي أو مالي أو مكانتي فانا إمراه كسيحة منذ الطفولة إنما كان يقصد من
ذلك الزواج أن يشرق الهناء في عيني طفلتي وتدب الحياة في هذا المنزل الصغير
..
لقد كان لحياته هدف ومعنى نبيل
لأنه كان مصدر نفع لمخلوقه تعيسة ومن كانت حياته لها وزن واعتبار عند
الآخرين يظل كالشمس تشرق في القلوب كل صباح..
أحس ناصر بان حياءه الفطري قد
تبخر بذلك الحديث فانطلق يثرثر معها على سجيته إلى أن قال أيسرك أن تعرفي
احد أبنائه ...
فانتفضت المرأة من أخمص قدميها
إلى جذور شعرها وقالت...اانت ناصر....؟
فأوما برأسه بالإيجاب فاحتضنته
شمساء في شوق ولهفه وانفجرت تنشج باكيه في حرقه ضارية وفي وسط ذلك المشهد
دخلت ابنتها ذات القوام الممشوق والانوثه الناضجة وأحس ناصر بنشوة عامره
تسري في أوصاله فقدمت الأم ناصر إلى ابنتها وهتفت قائلة...
أنها ابنتي شيخه تخرجت هذا العام
من معهد المعلمات...
وهكذا ظل الثلاثة يثرثرون
كالطيور المغردة في رائع الربيع واندفع كل منهم يفيض بإمداد الأخر
بالمعلومات عن حياته الخاصة حتى أيقن ناصر بان تلك المعلمة لازالت عازيه
وبعد أن تناول طعام الغداء معهما استأذن ووعدها بان يزورها في اقرب فرصه...
وفي الطريق كان طيف الفتاة
يتراءى أمام عينيه كالهلال على الصفحة السماء وشعر لأول مره في حياته
بهاوية سحيقة اسمها الحب تفغر فاها في كيانه وتغري قلبه بالارتماء في
أعماقها وبهذه الصورة المفاجئة. وكانت الأم يخالجها شعور بالقلق على تأخر
ولدها عن موعد الغداء إلا أن ذلك الشعور تلاشى عندما دخل المنزل وابتسامته
خالدة تعلو شفتيه من فرط السعادة...
فقالت الأم : أرى علائم السرور
والبهجة على محياك...
أجاب ناصر بلهجة ذات مغزى .. أن
الإنسان بطبيعته الفطرية يحس كان حياته في وسط هاله من المجد إذا أنجز عملا
يسعد به الآخرون أو اكتشف سرا من أسرار المخلوقات و .....
الأم : وهل هناك سر اكتشفته حتى
كان رصيدك منه هذه السعادة ...؟
ناصر: نعم يا أمي لكنه من أسرار
المهنة..
دخل ناصر بعد ذلك الحوار القصير
إلى غرفته وبينما كان يهم في خلع ملابسه جفل على نحو مفاجئ يتذكر الصوت
الذي انبثق من تحت قدميه في غرفة والده واخذ يناجي نفسه...
لايمكن للورقة أن تحدث صوتا كذلك
الصوت...
إذا لابد م سر أخر في ذلك المكان
.. وأعاد الثوب في سرعة على جسده وولى موسعا خطاه نحو غرفته والده وعندما
اهتدى إلى ذلك الموضع .. اخذ يركله بقدمه حتى تأكد من الموضع فرفع طرف
السجادة وإذا بقطعه رخام تفككت عن بقية رخام الارضيه .. وهذا أمر طبيعي
يرجع إلى سوء تركيبه من ناحية والى الفترة الزمنية من ناحية أخرى فأعاد
السجادة إلى مكانها إلا انه وقف يفكر مليا إلى أن اهتدى إلى يقين وبرز في
ذهنه سؤال لماذا هذه الرخامة بالذات وحدها تفككت وهي التي كانت ينطوي عليها
الصك الشرعي ...
فانحنى مره أخرى ورفع السجادة ثم
اخذ ينزع الرخامة من مكانها إلى أن تم له ذلك فتبين له عنق جره من الخزف
وظهر طرفها مستويا مع الارضيه محشيا عنقها بألياف النخيل فانتزع ذلك ثم
انحنى يسبر غورها في ضرب من الدهشة وبعد أن انفق دقائق في التحديق مد يده
إلى عنقها واخذ يخرج محتوياتها التي فطرت فؤاده وهي عبارة عن مجموعه من
الحلي الذهبية يزيد ثمنها عن خمسين ألف ريال عماني ...
أخذت تلك القطع الحمراء تثير
مطامعه الهاجعة وبدا يرزح شيئا فشيئا تحت وطاه الجشع الذي حفر هوة في
أعماقه ثم مد يده مره أخرى ليخرج المزيد من جوفها لكنه هذه المرة التقطت
أنامله ورقه مكتوبة بخط والده .. يوصي فيها بجزء من ذلك المال لتعمير
المسجد الذي بناه وبجزء أخر لزوجته شمساء وبالجزء الأكبر لزوجته خديجة
وولداه ناصر واحمد .. وفجاه اخذ يطوي تلك الورقة بين راحتيه بانفعال كأنه
لايريد أن يعترف بها .. وان تلك الخزينة وهبتها الأقدار له وحده هكذا أعماه
الجشع فجاه وتجاهل وصيه والده ...
لكن الأقدار كانت بالمرصاد إذ
دخلت أمه بغتة إلى الغرفة وهو جاث أمام ذلك الكوم الأحمر ..فشعر بظلمة
حالكة من الهموم والأحزان واحترق الأمل الزائف الذي بناه في لحظة كالقصر
المهيب إذ كانت لامه مهابة ووقار في نفسه ...
وتسمرت هي الأخرى في مكانها من
فرط الدهشة إذ قادتها الظنون والهواجس إلى الاعتقاد بان ولدها قد سرق تلك
الأموال .. فهتفت من فورها قائله .. من أين لك هذا ؟
أهذا هو السر الذي اكتشفته وجعل
حياتك في وسط هالة من المجد.. لا يا ناصر .. أن المال المسروق صديد وزقوم
يذيب العظام وعار لايبرح صاحبه مدى الحياة ونار مستعرة تأكل الحسنات وقفص
يعده المرء بنفسه لنفسه في وادي الجحيم .. قم ياحبيبي واستغفر الرحمن
فغفرانه يثلج فؤادك ويغنيك عن كنوز الدنيا ...
قام ناصر من مكمنه بعينيين
دامعتين من فرط شعوره المحموم بالإثم .. وغمغم في رضوخ .. لقد كنت على وشك
أن اسرق حقوق الآخرين لكن إرادة الله تدخلت في الوقت المناسب لإنقاذي...
أماه .. أن هذا المال من هنا
سرقته _ وهو يشير بالبنان إلى الجرة _ ثم طأطأ هامته نحو الأرض والتقط
الوصية فقال لها اقرئي .. وما أن انتهت من قراءة الوصية حتى أصيبت بالذهول
وتمتمت في دهشة .. شمساء بنت سالم ...
هنا غرق ناصر في سلسله من
الأحاديث يشرح الظروف والملابسات التي جعلت أباه يتزوج تلك المرأة الكسيحة
حتى تمكن من أن يجعل منطق الحجة والقناعة تطفو على عواطفها .. بل شعرت من
طعن قلبها بأحاسيس الرثاء نحو تلك المرأة ...
وعلى الفور طلبت من ناصر بان
يقوم بتقسيم المال بالعدل والقسطاس حسب ماورد في وصيه والده ليأخذه كل ذي
حق حقه وعليه أن يتعد في مساء الغد بالذهاب إلى السيب ..
هنا قاطعها ناصر .. وماذا عن
شيخه ؟ يقصد ابنه شمساء _ ابتسمت الأم وقالت .. دع ذلك الآن للمفاجآت ثم
دلفت إلى عتبة الباب وخرجت ..
شعر ناصر بسعادة تتدفق في دمائه
الدافئة واعتبر أمرها بتقسيم المال موافقتها بزواجه من شيخه مسحا لجرحه
وتكفيرا غاليا عن فعلته الشنيعة ورداء طاهرا طرز بخيوط غفرانها له ورضاها
عنه ..
وفي مساء اليوم التالي انطلق
ناصر وأمه وثالثهما احمد إلى مدينه السيب وما أن وقفت السيارة أمام منزل
شمساء حتى خرج ناصر في زهو صبياني واخذ يطرق ذلك الباب العتيق فخرجت شيخه
فحياها ناصر في جلال فاتن ثم دعته بالدخول فأشار ناصر إلى أمه التي نزلت مع
احمد في التو واللحظة فسارت شيخه إليهما فغي عجل فقبلت يد خديجة ثم ساروا
جميعهم إلى الداخل وحين وقعت أنظار شمساء على ناصر أدركت بان تلك المرأة
ماهي إلا أمه فأخذت تتعلق كطلائع الكرمة الغضة بنافذة المهجع الذي تجلس فيه
لكي تحيها وهي واقفة فسارعت خديجة نحوها واحتضنتها كما تحضن الأم رضيعها
وأخذت الاثنتان تنشجان في بكاء محرق حتى امتلأ الفضاء بآهاتهما وأنينهما ..
لقد أشرق فوق ذلك الوجه الموجع ضياء فاتن وبهجة تجل عن الوصف بذلك اللقاء
...
ثم اخذ كل منهم ينفق وقته في
الثرثرة وناول الفاكهة إلى أن قطع ناصر حديثهم حين قال ..
عمتي شمساء هذه حقيبة بها مال
يخصك أوصى ب هابي لك ..
لكن تلك المرأة رغم فقرها يكمن
في أعماقها جوهره اسمها القناعة والجواهر لا تنحل في الوحل لذلك رفضت ذلك
المال ورفعت عينيها اللتين ترقرقت فيهما دمعة وقالت كأنها تخاطب شخصا وهميا
..
أن ذلك الرجل النادر السامي
الوديع لازال ضياؤه ساطعا في أعماقي فبذلك السناء أعيش وهذا المال مالكم
فانتم أولى به مني ...
تدخلت خديجة فهتفت قائله .. انه
حقك الشرعي وليس هديه .. فحسمت شمساء الأمر بقسم غليظ فساد الجلسة سكون
يشبه سكينه بلقع الصحارى ثم تململت خديجة في جلستها وقالت..
أود أن اقرن هذا اللقاء وهذا
التعارف بزواج ناصر من ابنتك شيخه واعتبري هذا المال مهرها وزحف الصمت من
جديد كان أحدا غطى فمها بقطعه من القماش عن الاجابه وظلت هكذا برهة وغمغمت
بكلمات متقطعة .. انه لشرف عظيم لكن ابن عمها تقدم لخطبتها وأعطيته
الموافقة المبدئية ..
وحين صافحت هذه الكلمات أذان
ناصر .. أصيب بصاعقة جعلته يتكأ على الجدار من عنفها لكن شيخه أعادت ماء
الأمل إلى نفسه حين قالت في جرس مزيج بالوداعة والسلطان لامها : إذا جحدت
جميلك وشقائك في تربيتي وتعليمي فانا طاغية وإذا عصيت أمرك فانا ضالة
ولكنني كفتاه مسلمه شرع لي الدين الحنيف بان استشار عند الزواج وقد سبق وان
أبلغتك عن رفضي بالزواج منه لأني لا أميل إليه و...
وبغتتا صمت لسانها حين دخل وسيم
الطلعة في ثياب انتقه وحيا الجميع في خشوع واحترام ..
ثم طلب من شيخه أن تستمر في
حديثها ..
هنا تدخلت شمساء وقالت : انه
فيصل ابن عم شيخه ..ثم أخذت تعرف فيصل بضيوفها بل أقاربها وما أن انتهت من
ذلك حتى مد فيصل يده إلى ناصر وقال مبروك يا أخي فهي عروسك فانا لست بأولئك
المتعصبين بان يتزوج الشاب من أبنت عمه رغما عنها لأني امن بان أي زواج
يجب أن يكون مقرونا بموافقة الفتاه نفسها وإلا سيكون الفشل الذريع فشله
..واقسم باني لا احمل حقدا اتجاهك ولا غيضا تجاهها ثم انك لست بغريب عنها
.. وسنقيم لكما اهج الأفراح .. وبالفعل قرعت الطبول ورقصت أنامل الطرب على
ثقوب القيثارة وزفت شيخه في موكب مهيب إلى بيتها الجديد ...